أخبار عاجلة

الانتحار .. القاتل الصامت

الانتحار .. القاتل الصامت

بقلم:شيم مصطفي

لا تخرجوا عن الحياة …

كل سنة يقبل على الانتحار ما يعادل ٨٠٠ الف شخص في العالم، كل ٤٠ ثانية يوجد شخص ينهي حياته، كل حالة انتحار تمت يوجد امامها ٢٠ حالة حاولت الانتحار وفشلت . معدلات الانتحار في الرجال ثلاثة اضعاف معدلات النساء ، لانهم يختارون طرق اكثر جدية .

مصر ترتيبها في معدلات الانتحار ١٥٢ من اصلا ١٨٣ دولة ( تقرير منظمة الصحة العالمية عام ٢٠١٦).

النفس البشرية ليست صورة ٩×٦ لها بعد واحد او بعدين .. النفس البشرية شيء مركب ومعقد للغاية ولها اكثر من مستوى . عندما نقول ان اسباب الانتحار هي الاكتئاب والقلق واضطرابات الشخصية والادمان وغيرها هنا نحن نتحدث عن مستوى واحد من انفسنا اسمه ( مستوى الاعراض ) ، لكن يوجد مستوى آخر اعمق واخطر اسمه ( معنى الاعراض) ، وهو ليس ” لماذا ينتحر هذا الشخص ؟” وانما ” ماذا يريد ان يقول المنتحر بإنتحاره؟” ما المعنى وراء ان شخص يقرر انهاء حياته ؟ .

يوجد نظرية مهمة في تفسير الانتحار تقول ان المنتحر لا يريد قتل نفسه بل يريد قتل ما بداخله من ضغوطات ومشاكل ومعاناة وتعب نفسي وماضي صعب وازمات وصدمات نفسية وعاطفية ومعنوية ، اشياء لا يقدر على تخطيها بعد محاولات عديدة وتوصل في النهاية الى حل الانتحار وإنهاء كل هذا وليس حياته .

مثل، طفل تربى وكتبر في بيت ضاغط وكئيب ، مع ام واب قاسي وجامد ومتحجر القلب .. معاملة سيئة وضرب وتعنيف .. فرض رأي وغضب وعدم الانصات للطفل/ الشاب .. ماذا ننتظر من شخص تمت معاملته بهذه الطريقة وتم محو شخصيته  غير كمية هائلة من الغضب وكره شديد للحياة والناس ورغبة شديدة في الانتقام .

بنت اختزلها ابوها وامها في الدرجات والمجموع والدراسة ، واختزلها المجتمع في لبسها وجسدها ومعانيهم الجنسية ، واختزلها زوجها في الطبخ واعمال البيت وتربية الاطفال ، ماذا ستشعر بغير غضب من ناحية الاب والام ، وكره وخوف من ناحية المجتمع والناس ، ورغبة شديدة في الانتقام من الزوج والزواج .

هذا غير قصص الحب والعلاقات الفاشلة وبيئات العمل الصعبة واماكن الدراسة ومشاكلها .

اين المشكلة ؟ الالم الصعب يأتي من أين؟ ، المشكلة هي ان نفسنا البشرية من كثرة انهزامها وضعفها وقلة حيلتها .. بدلا من توجيه هذه المشاعر ناحية اصحابها يتم العكس ، ويتم توجيهها ناحية نفسها ، بمعنى اول شخص يتم توجيه هذه المشاعر والغضب المكتوم والمتراكم هو الشخص نفسه ، واول شخص يتم الانتقام منه هو الشخص نفسه .

هو يغضب من الذين اذوه بتوجيه غضبه لنفسه ، وهي تكره الذين قسوا عليها بأنها تكون قاسية على نفسها .. وهم الاثنين ينتقمون من الذين شوهوهم بالانتقام من انفسهم .. وهذا الحل الوحيد الذي تم الوصول له ، حاولوا وفشلوا ، عبروا بكل الطرق عما بداخلهم ولم ينفع ، جربوا بأخذ حقوقهم ولم يقدروا ، قاوموا الى ان وصل بهم الحال الى الانتحار والانتقام من النفس ، لم يجدوا امامهم غير انفسهم ، تقطعت بهم السبل إلا الى داخلهم.

هذه التعقيدات النفسية توصل الشخص الى الفشل في الدراسة ، الادمان ، الدخول في علاقات مؤذية متكررة بلا نهاية ، يوجد الذي ينفجر من داخله في العالم ويصيبه الجنون ، والذي يبصق البصقة الاخيرة على الناس ويودي بحياته وينتحر . إحدى الرسائل التي يوصلها المجنون للعالم هي الانفجار في وجهه ، واحد المعاني العميقة التي يقصدها المنتحر هي البصق في وجه الكل ،، الكل بمعنى الكل .. حرفيا وبدون استثناء.

الانتحار هو الوجه الثاني للقتل .. ووجهه الثالث الجنون . وهذا يقودنا للمفاجأة الثانية   وهي ان قرار الانتحار ليس قرار وليد اللحظة ، وهو ليست فكرة تأتي في عقل الشخص فيقوم بتنفيذها فورا ، ولكن قرار الانتحار الحقيقي يكون من قبل التنفيذ بفترة طويلة .. ربما بسنوات .. واحيانا منذ الطفولة .. لكنه يظل قرار مؤجل ، ويظل الشخص في حالة تفاوض بائس مع العالم في حالة اخذ وعطاء يائسة مع الناس ، في انتظار شعاع نور يأتي من اي شق من شقوق الحياة .. الى ان يفقد الامل .. او يفقد عقله .. او كليهما ، وينفذ قراره في لحظة مندفعة قاطعة ، بعض الناس يراها لحظة جنون حقيقية  ينفصل فيها الشخص عن العالم ، ويقطع كل اواصره مع الواقع .. يستثني كل من يحبه ويتجاهل كل من يمثل له اي شيء .. ولا يحسب اي حساب لأي عواقب .. ولا يفكر في اي شيء سوا الخلاص .. الخلاص الفوري حتى لو كان مؤلما .. حتى لو طان الى المجهول .

يوجد من ينتحر لأنه يائس من الحياة وآخر فقد شخص او شيء غالي .. يوجد من ينهي حياته لانه لم يشعر بأن من يفهمه او يشعر به .. يوجد من لا يعرف معنى لحياته .. ويوجد من ينتحر لانه لم يكن محط نظر اقرب الاشخاص له لذا ينتحر ليجذب اهتمامه.. ينهي حياته كلها ليجعمل من حوله يشعرون به ويروه حتى لو كان ميتا .

بعد كل هذا يوجد من يعتبر المرض النفسي ( دلع)، وآخرون يروه ضعف ايمان ، وان المؤمن لا يصيبه مرض نفسي ، و آخرون يروه مس من الجن او الشيطان .. ويوجد من يعتبره فضيحة وعار لابد من اخفائه .

الحقيقة التي لا يريد احد ان يعترف بها هي ان المرض النفسي حق مثل المرض الجسماني حق ، المرض النفسي يصيب المؤمن والغير مؤمن .. الصغير والكبير .. الرجال والنساء ، مثله مثل المرض الجسماني . المرض النفسي ليس الحزن العادي الذي نمر به كلنا وليس الضيق والملل من الحياة وليس قنوط من رخمة الله واعتراض على ابتلاءه.

الشخص الذي يقول ان المرض النفسي ضعف ايمان شخص جاهل وفاقد البصيرة ويتسبب في زيادة الاحساس بالذنب لدى انسان يرى ان وجوده في الدنيا ليس ليه معنى .

الاولى هي اننا نشعر بآلام الناس ونتعاطف معهم ونحاول فهمهم ومساعدتهم ، قبل ان نضع انفسنا مكان الله – عز وجل – والحكم عليهم بالعذاب وبجهنم وبئس المصير .

المتعاطفين مع المنتحر هم اشخاص فكروا فعليا من قبل في الانتحاراو على الاقل مدركين كم الآلام الذي عانى منها الشخص .

الالم النفسي اشد واقصى من آلام السرطان .

اكثر عشر اسباب للاعاقة منهم ٤ امراض نفسيه ، مريض القلب لا ينتحر ، مريض الضغط لا ينتحر ، ولكن مريض الاكتئاب ينتحر .

المجتمع الذي يسخر من المرض النفسي هو مجتمع مريض نفسيا وخائف من العلاج . الناس التي تسخر على المعاناة النفسية هي ناس سيكوباثيين لا امل في علاجهم .

الدراما والافلام التي تظهر المريض النفسي ( اهبل) والطبيب النفسي مجنون دراما غير صحيحة وغير مؤهلة وغير مسؤولة .

المُفتون والمدّعون بغير علم ولا دين تسببوا ومازالو في بُعد الناس عن انفسهم عن العلم والدين .

القرآن والرقية والشرعية لا تعالج المريض النفسي مثلما لا تعالج امراض القلب والضغط والسكر والفشل الكلوي .

من الناحية العلمية ، المرض النفسي اخطر من باقي الامراض . من يعاني من الضغط النفسي ما يحصل في جسده هو افراز هرمون الادرينالين والكورتيزول ونشاط في جهاز السيمبثاوي وذلك يؤدي الى زيادة في ضربات القلب وانقباض الشرايين والقلب والموت المفاجيء .

الكبت والضغط النفسي يوصل الشخص لمرحلة متقدمة من الاضطراب النفسي بدون ان تشعر ، ستحب الوحدة وستكون سريع الانفعال وستعاني من قلة او كثرة النوم وستتجنب اماكن واشخاص ومواقف بدون تفكير وبدون نقاش . لن تتحدث ولن تشكي ، ستكون في مرحلة كل شيء وعكسها ، شعور عالي بالثقل على نفسك ، ستكون في انتظار شيء ولا تعلم ما هو ، الى ان تجد صوت بداخلك يقول لك :” انت مريض ومجهد نفسيا .. ولا احد يتحملك او يريد سماعك .. انتحر “.

يا كل نفس اصابها اليأس او المرض او الانطفاء ..

يوجد من يفهمكم ويسمعكم .. هناك من يشعر بكم ..

تمسكوا بالامل .. تمسكوا بالحب .. اخرجوا عن النص ولكن لا تخرجوا عن الحياة .

شاهد أيضاً

وزير الصحة يؤكد أهمية الإسراع في تطوير المنصة الإلكترونية للسياحة العلاجية في مصر

أكد الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، ضرورة الاسراع في الانتهاء …