فقد الوسط الفني العربي، الشهر الماضي، محمود رضا، مؤسس “فرقة رضا” للفنون الشعبية، وأشهر مصممي الرقصات في العالم العربي عن عمر ناهز 90 عاما، ولحقه أمس السبت، العقار الذي اتخذ منه شقة مقرًا لفرقته وانهار العقار بأكمله “حزنًَا عليه”.
وانهار، صباح اليوم، العقار وانتقلت قوات الحماية المدنية إليه لتبدأ عمليات الإنقاذ للأشخاص، دون قدرتهم على إنقاذ الذكريات التي تتشبع بها جدران العقار التاريخي، وأعرب نبيل مبروك أقدم راقصي فرقة رضا، عن حزنه لسماعه هذا الخبر، قائلا: “مكان خد من عمرنا سنين لينا فيه أيام وذكريات حلوة مع بعض”.
ولد محمود رضا في القاهرة عام 1931، وتخرج في كلية التجارة جامعة القاهرة عام 1954، وعمل راقصا في الأفلام قبل أن يؤسس مع شقيقه علي رضا وزوجة أخيه فريدة فهمي “فرقة رضا للفنون الشعبية”.
جاءت فكرة تأسيس فرقة رضا بعد مرور مؤسسها بعدة مراحل، حيث تعلم الفنان محمود رضا الباليه فى سن صغيرة، وخلال تلك الفترة بدأ شغفه بالرقص الاستعراضى ومشاهدة الأفلام الاستعراضية الأمريكية.
ومن أجل متابعة نشاطه فى الاستعراض اشترك رضا بنادى “هليوليدو”، الذى كان يضم العديد من الجنسيات الأجنبية، أو من المصريين من أصل أجنبى فى تكوين أول فرقة استعراضية، التى تكونت من خمس فتيات وخمسة فتيان من أعضاء النادى، وقدم من خلال تلك الفرقة الصغيرة عدداً من الحفلات الشهرية، والغريب أن الفنان أسامة عباس كان من بين أعضاء تلك الفرقة.
وفى عام 1954 انضم رضا إلى فرقة “ألاريا” الأرجنتينية، وشارك فى عروضها التى قدمتها بالقاهرة والإسكندرية وروما وباريس، ما أسهم فى إعطائه ثقة فى نفسه وقدراته الاستعراضية، كما أكسبته خبرة فى تصميم الرقصات من خلال تجاربه العملية مع الفرقة وسفره معهم.
وفى عام 1961 صدر قرار جمهورى بضم الفرقة إلى وزارة الثقافة، وأصبحت تابعة للدولة وقام على إدارتها الشقيقان محمود وعلى رضا، وفى عام 1962 انتقلت عروض الفرقة إلى مسرح متروبول، حيث أصبح لها منهج خاص وملامح مميزة فى عروض الرقص الشرقى، ثم كان اللقاء الفنى بين محمود رضا والموسيقار على إسماعيل الذى أثمر أول أوركسترا خاص بالفنون الشعبية بقيادته والذى أعاد توزيع الموسيقى لأعمال الفرقة السابقة، وقام بتلحين الأوبريتات الاستعراضية.
وفى بلطيم خلال فصل الصيف حدثت الصدفة التى طورت فى مفهوم الرقص الشعبى فى مصر، ففى هذا المكان تبادلت “ميلدا” المعروفة باسم فريدة فهمى النظرات مع الشاب الوسيم على رضا، ليكتب التاريخ عن ولادة قصة الحب التى كانت البذرة الأولى فى تكوين فرقة رضا، حيث كانت فريدة فهمى فى سن صغيرة عندما وقعت فى غرام على رضا شقيق الفنان الاستعراضى الكبير محمود رضا، ورغم أن على رضا كان يكبرها بكثير فى العمر، إلا أنه لم يكن حائلا بينها وبين قلبها، وخصوصا بعدما علمت انه عضو فى نفس النادى الذى ترتاده اسرتها فى منطقة مصر الجديدة، كما أنه كان مثلها مفتون بالرقص.
وكشف الفنان محمود رضا خلال لقاء تليفزيونى سابق، كيف قام بالاشتراك مع المصمم والمؤلف الموسيقى على رضا، والراقصة الأولى فريدة فهمى بعد الرحيل المفاجئ للفنانة نعيمة عاكف فى تكوين الفرق، وتابع “رضا” أنه بدأ الرقص الإيقاعى هاويًا، وتتلمذ على يد أخيه الأكبر على رضا الذى يعتبر اليوم 17يوليو ذكرى ميلاده، ثم التحق محمود رضا بفرقة برازيلية كانت تقدم عروضًا فنية في مصر وسافر معها لعدة دول أوروبية.
وفور عودته إلى مصر ولدت بداخله فكرة تكوين أول فرقة رقص فولكلورى للحفاظ على التراث الشعبى الأصيل، خاصة بعد وفاة الفنانة نعيمة عاكف، واقترح على أخيه المخرج على رضا، وزوجته فريدة فهمى، تكوين فرقة استعراضية للفنون الشعبية وساعدته فى ذلك خبرتهما الفنية فى مجال الإخراج والتمثيل والرقص الاستعراضى فضلاً عن خبرتهما فى مجال التدريب وتصميم الأزياء، فنالت فكرته قبولاً شديداً عند أخيه وزوجته، وبالفعل أُسست “فرقة رضا للفنون الشعبية” عام 1959، وبدأت بعدد قليل من الراقصين والراقصات، حيث بلغ عدد أعضائها عند التأسيس 13 راقصا و13 راقصة و13 عازفا، أغلبهم من المؤهلين المتفوقين رياضيًا على مستوى الجامعات والأندية.
وفى عام 1957 التقت جهود نخبة من مثقفى مصر وفنانيها الكبار من أجل تقديم فلكلور أو عرض فنون شعبية عن التراث المصرى، وكان على رأس هؤلاء الراحل الكبير يحيى حقى، والأديب والدبلوماسى والمفكر توفيق حنا، والمؤلفون على أحمد باكثير، وزكريا الحجاوى ونجيب محفوظ، والشاعر عبد الفتاح مصطفى، والدكتور حسن فهمي أستاذ الهندسة واللغويات، والموسيقار ان أحمد صدقي وعبد الحليم نويرة والمايسترو إبراهيم حجاج والفنانة نعيمة عاكف، والمصمم الراقص الأول محمود رضا وشقيقه الفنان علي رضا وزوجته فريدة فهمي أستاذة الرقص المعروفة، ومعهم الرائد الكبير المخرج زكي طليمات، هؤلاء جميعًا وغيرهم تضافرت إبداعاتهم لظهور أوبريت “يا ليل يا عين” 1957 كأول استعراض غنائى شعبى مصرى منذ عروض المعابد والشواطئ عند الفراعين.
وقال نبيل مبروك، أقدم راقصي فرقة رضا للفنون الشعبية، إن العقار 50 بشارع قصر النيل الذي تعرض للانهيار اليوم كان شاهدًا على واحدة من أعظم الفرق الشعبية في العالم، حيث كانت مقر أول ستوديو لفرقة رضا بعدما انتقلت إليه لتكون بديلاً لفيلا الدكتور حسن فهمي.
وأشار “مبروك” إلى أن العقار المنهار شهد كل بروفات الفرقة وتدريبات الراقصين: “سهرنا فيه ليالي للخروج بعروض الفرقة الأصلية قبل أن تنتقل لمسرح البالون حيث المقر الحالي لها، عقب بنائه وانضمام الفرقة لفرق الدولة”.
وأضاف “مبروك” في تصريحات له: “حتى هذه اللحظة لا تزال الشقة الموجودة في الطابق الثالث مملوكة لمحمود رضا، ولم يتركها أبدًا حتى بعد انضمامنا للدولة، حيث حولها لأتيليه ومخزن يحتوي على أزياء العروض المختلفة والإكسسوارات الخاصة بها وأصبحت بمثابة متحف تاريخي لفرقة رضا”.
وأكمل: “شهد العقار إبداع فريدة فهمي أجمل الأزياء لفرقة رضا الخاصة، التي أسسها عقب تركه لقطاع الفنون الشعبية والاستعراضية، حيث عاد من جديد لمقره بـ50 شارع قصر النيل، ويحتوي على متعلقات الراحل محمود رضا”.
وناشد “مبروك” أسرة الفنان الراحل محمود رضا، بالكشف عن محتويات المنزل لطمأنة محبيه.
يذكر أن العقار المنهار مسجل كطراز معماري ضمن قوائم حصر للمباني ذات الطراز المعماري المتميز، طبقاً للقانون رقم 144 لسنة 2006 وفقاً لما ورد من الجهاز القومي للتنسيق الحضاري ويعود بناؤه لسنة 1900.