أزمة الأخلاق كلمة يراد منها إقناع المواطن بأنه السبب في المشاكل التي يعانى منها وهي إحدى وسائل اختزال الوعي وخداع الذات في أوقات المحن حين يعجز الناس عن معرفة الأسباب الحقيقية أو حين يعجزون عن مواجهتها إذا عرفوها مثلما سادت فكرة أننا شعب كسول وأننا هدف دائم لمؤامرة عالمية وأننا لا نصلح للديمقراطية ولا نستحقها لذلك هناك نسبة كبيرة من المصريين يسلمون بأن أزمتنا الكبرى الحالية هي أزمة أخلاق وأزمة ضمير بل وعلي الجانب الأخر على منابر المساجد والكنائس يقال إنها نقص في الأيمان لكنهم لا ينتبهون إلي الفارق الدقيق والمهم بين وجود أزمة لا نجادل في وجودها وبين الادعاء بأن أزمتنا الأصلية هي أزمة أخلاق فهل الأزمة التي يتحدثون عنها هي مظاهر تدني الذوق في السلوك العام في الشوارع والمحافل المختلفة أو تفشي النزعة العدوانية بالقول والفعل من الشارع إلى الجامعة ومن السوق إلى البرلمان أو الرشوة ونهب المال العام واستغلال النفوذ ومحاباة الأقارب بالمناصب والأموال على حساب المستحقين الأصليين ؟ أن الأزمة الحقيقية في مصر سببها اجتماعي اقتصادي سياسي وهو ندرة الفرص وعدم تكافؤها مع وجود الفساد والاستبداد فأصبحنا نعاني من تفشي مخالفة وانتهاك القواعد القانونية والعرفية والأخلاقية ومن هنا يأتي تعقيد الأزمة والتسليم الكامل بوجودها في نظر الأغلبية الساحقة فالمخالفات المرتكبة في كل شارع وفي كل لحظة هي انتهاك للقانون وأغلبها لا يعاقب عليها وإلا لما استمرت لكنها في الوقت نفسه مخالفة للعرف الاجتماعي ومع ذلك لم يعد العرف يستنكرها لأن الغالبية يرتكبونها ثم هي ثالثا مخالفة لقواعد الأخلاق ومع ذلك فالضمير الفردي اعتاد عليها ولم يعد مرتكبها يلوم نفسه بدليل أنه يكررها وإذا أردنا الاكتفاء بمناشدة الضمائر لإيقاظ الأخلاق سنتحول في الغالب إلى مادة كوميدية لكن الأجدر بنا البدء في التطبيق الحازم للقانون الذي صدر ليطبق مثلما يفترض فهو المدخل الوحيد لكسر هذه الدائرة المفرغة والقانون من حيث كونه قانونا يجب أن يطبق على الجميع دون أي استثناء وكلنا نعرف كمصريين أن هناك فئات جرى العرف ألا يطبق عليها القانون بل إن بعضها يأنف من فكرة معاملته مثل بقية المواطنين في الحقوق والواجبات وهؤلاء لن تجدي معهم مئات الحملات التي تخاطب الوازع الخلقي لأنهم من البداية يعرفون أنهم ليسوا المقصودين بهذه الحملات بما أنهم تعايشوا طويلا مع مبدأ التميز عن غيرهم واعتبروه حقا طبيعيا فوق العرف والأخلاق والقانون فإن لم يكن هذا هو الفساد فماذا يكون إذن ؟ وإن لم تفسد أخلاق وتقاليد أغلب المجتمع لهذا السبب فمتى تفسد إذن ؟ أليست هذه دعوة مفتوحة إلى التصرف الفردي لأخذ بعض الحق وتلبية بعض الاحتياجات تماما مثلما كان يحدث في عصر استبداد المماليك حين يعجز السلطان عن الدفع لمماليكه من رواتب ومخصصات فيقول لهم اكبسوا القرى وبيوت المياسير وخذوا منها ما تريدون فإذا كنا جادين في محاولة إصلاح الأخلاق فلندرك أن المسئولية تقع على عاتق السلطات وليس المجتمع التي عليها القيام بواجبها في معاقبة الخارجين على هذه الأخلاق والتصدي لهم بالاستنكار والنبذ والازدراء حتى لا يصبح المجتمع جسر يعبر فوقه المماليك .