تبدو أزمة المصانع المغلقة «أكبر وأعمق» مما تظن الحكومة بكثير سواء على مستوى التشخيص أو العلاج.
فوزارة التجارة والصناعة تتحدث عن أزمة بـحجم 781 مصنعًا مغلقًا منها 135 مصنعًا فقط قابلة للعودة وهو ما يعنى أن الوزارة ترى إعدام 736 مصنعًا وفق تقديرها.
مركز تحديث الصناعة باعتباره جهة حكومية معنية يحصر المصانع المعطلة جزئيًا أو كليًا .. وهو الآخر على ما يبدو لا يمتلك رقمًا أمينًا عن الأزمة لأنه بالتواصل مع مسؤولين فى المركز تبين أن ما لديهم عبارة عن حصر قديم وغير محدث يعود لعهد الوزير السابق.
الحكومة التى تتحدث عن تقديرات عددية عن حجم الأزمة تتبنى تقديم حلول مثل إنشاء صندوق بـ 150 مليون جنيه وهو ما يعتبره المستثمرون الصناعيون حلاً غير واقعى ولا يكفى لمعالجة أزمة مصنع واحد أو مصنعين من المصانع المتعثرة وهو ما بدا وكأنه علاج صداع يقدم لمريض مصاب بمرض عضال.
على الجانب الآخر هناك من الصناعيين من يرى أن معالجة أزمة المصانع المعطلة والمتعثرة يحتاج ما لا يقل عن مليارى جنيه مع وضع منظومة علاجية «مالياً وفنياً» من خلال إنشاء صندوق صناعى يتولى أمره أحد البنوك ذات الطبيعة الحكومية، لضمان صيانة حرمة المال العام وضمان صرفه على المصانع القادرة على العودة مجدداً وتضمن سداد ما عليها من ديون والمساهمة فى تنمية الاقتصاد الوطنى .
الصناعة تحتاج الى بيئة حاضنة تراعى طبيعتها الاستثمارية من حيث كونهًا استثمارًا يحتاج لتمويلات ضخمة ولديه القدرة على التحول الى قاطرة تشد الاقتصاد الى الأمام وهو ما يتطلب إيجاد منظومة تمويلية باشتراطات ميسرة بعيداً عن الإجحاف وتوفير الأراضى بأسعار معقولة، وإعادة النظر فى مستويات الدعم المقدمة للصادرات الصناعية.
بعض الصناعيين يطالب بحلول شاملة لملف الصناعة لا يقف عند التمويل ولكن يشمل الآليات القضائية التشريعية الحاكمة لنشاط الصناعة على أساس أن كثيرًا من الصناعيين يفاجأ بأحكام غيابية، لأن موظفًا «حاقدًا» حرر مخالفة وأحال دون إخطار المشكو فى حقه إلى النيابة.. إضافة الى أن التشريعات المنظمة لمهنة الصناعة تبدو متشابكة ومعقدة وطويلة وهو ما يتطلب تحديثها وفق نصوص قانونية سهلة وميسرة وقابلة للتنفيذ.
أزمات وأزمات
وضمن هذا السياق يرى محمد جنيدى نقيب المستثمرين الصناعيين أن المنظومة التى تدير الصناعة فى مصر طاردة لأى وطنى قبل الاجنبى، مضيفا بقوله: «ما نعانيه منعنا من النمو والتطور.. فالجهد والمال المهدرين فى حماية مصنع وحيد يكفى لإدارة مصانع» .
وعن الأسباب التى أدت الى تعثر عدد كبير من المصانع فى الفترة الأخيرة قال «جنيدى» إن الأمر مرتبط بعدة أسباب من بينها المنظومة المصرفية باعتبار أن الحصول على تمويل باشتراطات تمويلية تعجيزية صار أمرًا صعبًا للغاية . كما أن الفوائد المقررة من قبل البنوك على الاستثمار الصناعى مركبة وتصل لنسبة ال 20% دون وجود أمد زمنى كاف للسداد، مشيرا الى أن نسبة الفائدة على الإقراض فى غالبية الدول المجاروة لا تزيد على 5 % .
ويرى جنيدى ضرورة أن تحاسب البنوك عن حجم التمويل المقدم للتنمية واستيضاح عدد المصانع التى ساهمت فى تمويلها لخلق بيئة إنتاجية تصديرية تكون قادرة على جلب العملة الصعبة للبلد.
وقال: إن نسبة تمويل مشاريع التنمية الى حجم الودائع فى البنوك المصرية لا يتعدى ال 45 % بينما هذه النسبة تصل الى 70% فى الدول المجاورة مرتئياً أن هذه النسب تستدعى محاسبة البنوك.
ويشير الى أن المستثمر الصناعى يواجه أوضاعًا صعبة على مستوى المنظومة القضائية لأنه قد يتفاجأ فى أو وقت بأنه مدان بحكم قضائى غيابى دون أن يعلم عنه شيئا لأن المنظومة القضائية تسمح بمحاكمة المستثمر دون إبلاغه مطالباً بالعودة الى ما قرره النائب العام السابق المستشار عبد المجيد محمود بعدم الإحالة للمحاكمة دون إبلاغ المشكو بحقه .
ويقول: إن المستثمر الصناعى فى مصر يتعامل بقوانين بالية ومتشابكة فبالإمكان أن تحكمه مادة من هذا القانون ومادة أخرى من قانون آخر إضافة الى أن قانون الصناعة الأساسى صادر فى العام 1985 أى قبل أن يولد القطاع الخاص المصرى مضيفًا بقوله لازالت هناك قواعد قانونية تحكم الصناعة صدرت خلال الحكم الملكى.
وأضاف: «دعم الصناعة لا يزيد على 10% فى حده الأقصى بينما فى البلدان المجاورة قد يصل الى 20% وسعر الأراضى مبالغ فيها، إذ يصل سعر المتر لـ 1.5 آلف جنيه بينما فى البلدان الخليجية على سبيل المثال يكون للصناعى بأسعار رمزية تقترب من المجانية.
حجم الأزمة كبير
قال وائل الخولى، الأمين العام لجمعية مستثمرى أكتوبر: إن أسباب تعثر المصانع تعود فى جزء كبير منها لأسباب مالية إضافة الى بعض المعوقات الفنية والإدارية .
ويضيف أن السوق السوداء للدولار خلقت عبئاً إضافيا على المصنع لأن المستثمر يضطر الى تدبير احتياجاته من العملة الصعبة وهو الأمر الذى يؤدى إيجاد تكلفة إضافية على المستثمر لدواعٍ غير تشغيلية.
ويقدر الخولى عدد المصانع المتعثرة فى المنطقة الصناعية بأكتوبر بنحو 400 مصنع متوقف من أصل 2000 الى 3000 مصنع معتبراً أن بقاء الوضع على ما هو عليه سيزيد عدد المصانع المتعثرة.
المناخ العام طارد
واعتبر أحمد مجدى شاهين، مستثمر صناعى، أن المناخ العام للاستثمار الصناعى طارد للمستثمر المصرى قبل الأجنبى مشيراً الى أن 800 مصنع – على الأقل – تعثرت لأسباب مالية معتبراً أن مثل هذه المصانع يجب أن تكون أولوية للدولة لإعادة تشغيلها بأسرع وقت ممكن.
ويرى أن على الدولة وضع منظومة علاجية لهذه المصانع المتعثرة مالياً من خلال عدة خطوات تبدأ بحصر المصانع المتعثرة مالياً بشكل دقيق : على أن يتولى هذه المهمة مركز تحديث الصناعة بصفته الجهة الحكومية الأكثر كفاءة لتنفيذ هذه المهمة .
وأضاف شاهين قائلاً: بعد عملية الحصر يجب تحويل ملف مديونات المصانع المتعثرة الى بنك حكومى ليتولى مهمة التسويات المالية مع البنوك الدائنة، كل حالة على حدة، بعد أن تقوم الحكومة بتخصيص صندوق برأسمال لا يقل عن 2 مليار جنيه لعلاج أزمات المصانع المتعثرة.
وأضاف: «وفقاً لكل حالة يتم تخصيص المبلغ الذى يحتاجه المصنع المتعثر بعد إعادة تقييمه وضمان قدرته على العودة مجدداً ضمانا لحرمة المال العام وتحقيقاً لمصلحة إعادة هذه المصانع الى الإنتاج وهو الأمر الذى يحقق مصلحة استراتيجية للدولة».
ويذكر أن البنك المكلف بإدارة هذا الملف هو من سيتولى مفاوضات جدولة الديون مع الدائنين بما يضمن للدائنين أصل الدين على الأقل مقابل فترة سداد معقولة وتتماشى مع طبيعة الاستثمار الصناعى على أن يكون المصنع رهناً حتى يتم السداد.
ويطالب شاهين البنوك بالعمل على مساعدة العميل وتعويمه بدلاً من إغراقه فى التعثر لأن أى تعثر سيضر البنك الدائن كما يضر المتعثر بما يقتضى البحث عن آلية مشتركة تضمن النجاح لكلا الطرفين «الدائن والمدين».
ويضيف قائلا: «كان قديما التاجر اليهودى فى مصر يقوم بإقراض عميله المتعثر حتى لا يفلس لأن مصلحته تقتضى استمرار عميله لأنه شريك له فيما يحققه من أرباح على اعتبار أن إفلاس العميل يمثل خسارة للتاجر فى الأساس».