بعد هذا الإقبال للمصريين فى الخارج على التصويت فى الانتخابات الرئاسية، يتجدد السؤال مع الرئيس القادم لمصر: «كيف يمكن الاستفادة الحقيقية منهم، كيف يمكن انخراطهم فى مسار تنموى حقيقى؟.
أعود إلى مشهد مصر أثناء ثورة 25 يناير وبعدها، وهناك حكايات كثيرة عن مصريين جاءوا من مهجرهم خصيصاً للمشاركة فى الثورة، هؤلاء قطعوا آلاف الأميال ليكونوا طرفا فى تلك الأيام التاريخية التى عاشتها مصر طوال 18 يوماً، عادوا وهم يحملون حكايات عن الغربة التى اضطروا إليها لقسوة الظروف التى عاشوا فيها فى مصر، وبعضهم روى حكايات عن الصعوبات والعراقيل التى كانت توضع أمامهم حال تفكيرهم فى عمل أى مشروعات، فعادوا مرة أخرى إلى حيث كانوا، وبعضهم حاول ونجح فى المحاولة، وبعد فترة ونتيجة عدم استقرار الأسواق حمل متاعه وعاد من حيث أتى.
بعد تنحى مبارك، فكر بعضهم فى العودة إلى مصر نهائياً للاستقرار، وتصوروا أن الطريق ممهد أمامهم، وأن الفساد الذى عشش فى أركان الدولة فى ظل نظام مبارك فى طريقه إلى الزوال، أعرف أشخاصاً عاشوا سنوات طويلة فى أمريكا والسعودية وإيطاليا، كانوا يدرسون بجدية نوعية المشروعات التى يمكن أن يشيدوها، وتكون بمثابة نقطة الارتكاز الاقتصادية التى تعينهم للعيش فى مصر والاستقرار بها، وبصرف النظر عما إذا كان ذلك يتأسس على دوافع وطنية رومانسية، فإننا كنا أمام حالة تعين الاقتصاد المصرى وتنشط عجلته، وهذا فى حد ذاته هدف وطنى، وبعد فترة تبخر كل شىء.
فى أثناء تولى الدكتور عصام شرف رئاسة الحكومة، تبارى العديد من المصريين فى تقديم أفكار عن مشروعات طموحة فى مجالات الخدمات والسياحة واستصلاح الأراضى، وزراعة القمح من أجل الوصول إلى الاكتفاء الذاتى منه، واكتشاف ملايين الأفدنة صالحة للزراعة فى الصحراء الغربية اعتمادا على المياه الجوفية، وفتحت قنوات فضائية أبوابها للحديث عن هذه القضية، وتحديداً الإعلامية الدكتور هالة سرحان فى برنامجها «ناس بوك» التى كانت تقدمه على قناة «روتانا مصرية»، ودخلت وزارة الرى فى الجدل، وقالت إن المياه تكفى لزراعة نحو 600 ألف فدان فى هذه المناطق.
شارك مصريون من الخارج بنشاط كبير فى هذه الحالة التى شهدت محاولة تنظيمية لها، بتأسيس «بنك أفكار» برئاسة رجل الأعمال والكاتب محمود عمارة تابع لمجلس الوزراء، وظيفته جمع كل الأفكار وتسجيلها بأسماء أصحابها، ومحاولة خروجها إلى النور بتقديم التسهيلات والمساعدات الاستثمارية، وأذكر منها مثلاً مشروع سياحى يربط ميدان التحرير بالأهرامات الثلاثة عن طريق النهر. مع مضى الوقت توقف كل شىء، فـ«البنك» لم يعد موجوداً، وصعدت جماعة الإخوان إلى الحكم دون أن تقدم جديداً، وعاد كل صاحب فكرة إلى بيته يلاحقه الإحباط من كل جانب، فدولاب الدولة الذى عشش فيه الفساد بقى كما هو، وكل رجل أعمال ظل فى عالمه الذى يدر عليه الربح الوفير، وأدى ذلك لبقائنا داخل الصندوق التقليدى فى الحلول، فلا حلول ملهمة، ولا إرادة سياسية لصناعة حلم وطنى كبير. كان المصريون فى الخارج ممن شملهم هذا الإحباط، والسؤال الآن، كم فكرة لدى هؤلاء؟، وكيف لا نكتفى بالنظر إليهم كمجرد حصالة باسم «التحويلات من الخارج»؟، الإجابة لدى الرئيس القادم.