مع قصة المصحف الشريف، لو أمسكنا بالمصحف ونحن فى أوائل القرن الحادي والعشرين وفى أوائل القرن الخامس عشر الهجري لوجدناه مطبوعاً، ولم يكن كذلك فى البداية بل إنه كان مكتوباً على كل أنواع الورق، فقد كانوا يأتوا بالجريدة-ورق النخل- ويفتحوها وينظفوها ويكتبوا عليها، وعلى عظم الإبل يوجد جزء عريض فى الحوض فيحضروها وينظفوها ويكشطونها ويكتبوا عليها، وورق البردي كانوا يحضروا ورقتين ويضعونهم عكس بعض ويدقوا عليهم بالدقماق ويكتبوا عليها وهكذا ..
فكتب القرآن على كل ما يصلح بالكتابة عليه فى عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكانت الصحابة تمسك هذه الأشياء المكتوب عليها لتحفظ، وقصة عمر بن الخطاب مع أخته فاطمة بنت الخطاب مشهورة أنه لما دخل عليها وجد معها ما تقرأ فيه، فقال: ما هذا؟ قالت: أذهب فتطهر فإنه لا يمسه إلا المطهرون، فذهب فتطهر فأتى فقرأ أو لمس هذا المكتوب عليه فمنّ الله عليه بالإسلام بعد ذلك، وبعد أن حفظ المسلمون الكتاب حفظاً جيداً قرؤوه على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ورشح منهم متقدمين فقال : إذا أردتم أن تسمعوا القرآن كما أنزل فأسمعوه بقراءة بن أم عبد عبد الله بن مسعود -متخصص فى القراءات جالس للقرآن- وأبى بن كعب، وكان النبى مرة فى الصلاة فنوزع فى القرآن فخاصية القرآن أنك وأنت تقرأ فى الصلاة ويوجد شخص يسمع خلفك فإنه يلخبطك- فقال : هل كان يقرأ أحدكم خلفي؟ قالوا : نعم يا رسول الله، قال: ولذلك قلت مالي أنازع القرآن، سبحان الله فهذه خاصية غير موجودة بالشعر والنثر وكلام الناس، فهذا شئ يخص الله، فهذا الكلام ليس ككل الكلام، قوانينه ليست ككل القوانين.
وصل إلينا المصحف بعد أن مر بمراحل من ضمنها مرحلة سيدنا أبو بكر الصديق–رضى الله عنه- جمع الناس وقال : كل آية تكتب نعرف أين كتبت؟ وعلى الأقل شاهدان يشهدوا أنهم يحفظونها، ويشهدوا أنها فى هذا الموطن، لأن القرآن نزل منجماً، فمن الذى يستطيع ذلك؟ من رشحهم النبى – صلى الله عليه وسلم – أبى بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت رضى الله عنهم، فاختار منهم ولم يخترهم كلهم، لأنهم كثيرون ومن فن اللجان يجب أن يكون ثلاثة أو أربعة حتى يستطيعوا الإلمام والإنتاج بسرعة، وانتهوا من القرآن حتى جاءت آيتان هما يحفظونها {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} وهاتان الآيتان فى آخر التوبة، وفى هذا الوقت كان جهاد فى سبيل الله وصد الطغيان ورد العدوان والقراء ذاهبون يجاهدوا فى سبيل الله بحثوا فى المدينة عن أحد يشهد، فتقدم خزيمة بن ثابت –رضى الله عنه- فقال: أنا أشهد أن هاتان الآيتان صحيحتان وأنهما هنا فى التوبة ، فقالوا له: ننتظر شخص آخر، فأبو بكر الصديق –رضى الله عنه- وهو جالس قال: لا اله إلا الله، قالوا له: ماذا حدث؟ قال: هناك شئ غريب هذا الرجل سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : “من شهد له خزيمة فالشهادة بشهادة رجلين” وهذا معنى مقصور على خزيمة لماذا؟!
فقالوا له: ما القصة؟ سيدنا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وهو عائد من المدينة وجد جمل جميل مع أعرابي وقال له: هل تريد البيع؟ قال : نعم، فأعطى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المال ومضى النبى –صلى الله عليه وسلم- والناقة خلفه والأعرابي خلف الجمل، فلما بدأ يدخل المدينة سأل الناس الأعرابى هل تريد البيع؟ فغمغم الأعرابى ولم يرد، فسول له الشيطان وهو سائر أن يبيعه مرة أخرى فقال له: نعم، فألتفت له النبى–صلى الله عليه وسلم- وتعجب! وقال له : هل هذه الناقة ملك لك؟ لقد اشتريتها منك وأعطيتك المال، فقال الأعرابى: هل معك شاهد؟ فقال النبى–صلى الله عليه وسلم- : لا، وكان خزيمة واقف وقال: وأنا أشهد معك يا رسول الله أنك قد اشتريت من هذا الأعرابى، فقال له: أرأيتني يا خزيمة؟ قال له: يا رسول الله أصدقك أن خبر السماء يأتيك من فوق سبع سماوات ولا أصدقك أنك اشتريت من هذا الأعرابى ذلك الجمل، وقال للأعرابى: أتق الله هل بعت هذه الناقة أم لا؟ فقال: نعم بعتها، فرح النبي–صلى الله عليه وسلم- بإيمان خزيمة وقال له: من شهد له خزيمة فهو حسبه، من شهد له خزيمة فبشهادة رجلين.
شاهد أيضاً
شوقي علام: تنظيم النسل هو طريق لتحقيق مجتمع قوي بدنيًا وخُلقيًّا وعلميًّا وثقافيًّا
قال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن …