أخبار عاجلة

معالج نفسي يكتب: التحصينات النفسية في زمن كورونا

محمد عبد الحليم صالح

معالج نفسي وعضو الجمعية المصرية للمعالجين النفسيين  

يمر العالم بمرحلة حرجة في تاريخ البشرية حيث يجتاح الكون هذا الوباء القاتل، ويصاحب هذا الانتشار أجواء مشحونة من القلق النفسي والاكتئاب والوسواس وغيرها من الاضطرابات النفسية، ولذلك أصبح لزاما علينا كمعالجين نفسيين توجيه بعض التوصيات النفسية اللازمة لهذه المرحلة الحرجة.

فإننا نجد أن من تعرض بالفعل للإصابة بهذا المرض أصبح مكتئبا حزينا على نفسه وعلى اعتلال صحته، وكذلك يصاحب هذا الاكتئاب مشاعر القلق والتوتر والخوف من تدهور حالته الصحية أكثر أو وفاته بهذا المرض، ومن هنا نوجه بعض التوصيات لمن أصيب بالفعل بهذا المرض أن يراقب أفكاره جيدا ويفحص محتواها وسيجد أن أفكاره تحمل كثيرا من المبالغة والتضخيم، وهذه الأفكار السلبية التي تدور في عقل المريض هي التي تسبب له مشاعر الهم والكرب، لأنه إذا احتكم إلى التفكير العقلاني المنطقي سيجد أدلة الواقع تشير إلى أن غالبية المصابين بهذا المرض يتم شفاؤهم ويخرجون لممارسة حياتهم بشكل طبيعي وكأن شيئا لم يكن.

إذن السبب في المعاناة النفسية ليس الإصابة بالمرض ولكن الأفكار التي تدور في رأس المريض حول هذا الأمر وما تحمله هذه الأفكار من مبالغة وتضخيم وتهويل في حدوث الإصابة بالمرض، لذلك على المريض أن ينقل أفكاره من المنطقة المظلمة إلى المنطقة المضيئة، ومن التفكير السلبي المتشائم إلى التفكير الإيجابي المنطقي الذي تؤيده أدلة الواقع الفعلية عن نسب الشفاء في مقابل نسب الوفاة. وإذا هجمت هذه الأفكار السلبية المحبطة فلا يستسلم لها بل عليه أن يعلم أنها أفكار وهمية غير منطقية ويبدأ في صرف ذهنه لشئ آخر مثل الاتصال بصديق مقرب وفتح حوار ممتع معه أو شغل وقت عزلته في القراءة الممتعة والتواصل مع الأهل والمقربين عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالشكل الذي يعطيه الحيوية النفسية والتفاؤل والإيجابية.

ومن الجدير بالذكر هنا أن يعلم المريض أن هذه المعاناة النفسية بسبب أفكاره ربما تسبب له مضاعفات سيئة بسبب ما تحدثه من ضعف في جهاز المناعة، فتصبح أفكاره السلبية المظلمة وما يتبعها من مشاعر الحزن والقلق هي السبب المباشر في تدهور حالته الصحية لأن من المعلوم في الأوساط العلاجية أن جهاز المناعة يتأثر بشكل كبير بالحالة النفسية والمزاجية للشخص سلبا أو إيجابا، وأن الحالة النفسية المليئة بالمشاعر الإيجابية التفائلية وحسن الظن بالخالق سبحانه وتعالى تتحالف بشكل مثمر مع الأدوية الطبية فتكون المحصلة هي الشفاء بإذن الله.

وفي هذا المقام أيضا نؤكد على بعض التوصيات لمن لم يصب بالمرض ولكنه يخشى الإصابة به، فهناك من الأشخاص من لديه حساسية نفسية مفرطة وهشاشة في تركيبه وبنائه النفسي، ومثل هؤلاء – للأسف- معرضون للإصابة بأمراض القلق والاكتئاب أكثر من غيرهم، ولذلك علينا أن نوصي هؤلاء الأفراد بعدم تتبع مسار انتشار هذا الوباء وعدم متابعة أخباره التفصيلية والتوقف نهائيا عن قراءة أعراض هذا المرض كيف تأتي وكيف تتطور وما إلى ذلك. لأن هذه المتابعة للتفاصيل ومايصاحبها من مشاعر الإيحاء والتوهم ستكون مسببا قويا للإصابة بالمرض النفسي. بل بالعكس على هؤلاء الأفراد تشتيت ذهنهم بعيدا عن هذه الأجواء المشحونة بالضغط النفسي من خلال الانخراط والاندماج في أنشطة حياتهم المتعددة مثل أمور العمل واتقانه، وشئون الأولاد، وأيضا ممارسة كثير من الأنشطة السارة الممتعة لشغل أوقات الفراغ مثل هوايات ممارسة بعض الرياضات، أو الرسم أو القراءة الممتعة، أو تعلم شئ جديد على الانترنت، أو تعلم بعض الأعمال اليدوية مثل الفنون الزخرفة أو الخياطة أو التريكو أو غيرها، وأيضا نوصي هؤلاء الأفراد بتنمية الحس الديني الروحاني بداخلهم، وتنمية مشاعر التوكل على الله ومعرفة يقينا أن الأمور تسير بمقادير الله وبقضائه في خلقه، فهذا الشعور الوجداني العميق داخل النفس البشرية يرفع كثير من الضغط النفسي ويرفع شعور الحرص المبالغ فيه والرهبة المفرطة من الإصابة بالمرض، وفي نهاية قولي أتمنى للجميع السلامة من كل داء وأرجو دوام الصحة والعافية جسميا ونفسيا.

شاهد أيضاً

مصر تحتفل بذكرى أكتوبر: استثمارات كبيرة في التعليم العالي بسيناء ومدن القناة

في إطار احتفالات جمهورية مصر العربية بحلول الذكرى الـ 51 لانتصارات أكتوبر المجيدة، وفي ضوء …