ليس أكثر ظلماً من سلطة تحكم بنفسها وتسوس بقانونها وتشرع بهواها ولا تعتقد أن فوقها سلطة تحاسبها وتقتص منها وتصد ظلمها وتمنع تماديها وتضرب على يد الظالم وتأخذ الحق للمظلوم والقوي فيها ضعيف حتى تأخذ الحق منه والضعيف فيها قوي حتى تأخذ الحق له ولا ينام فيها الحاكم وفي شعبه جائع وبين رعيته محتاج وفقير باتت هذه مفاهيم مثالية ليس لها وجود على الأرض فلا تعرفها السلطات المطلقة ولا الحكومات المستبدة بل وتعتقد أن الأبله من آمن بها والسفيه من عمل لها والضعيف المهزوز من خضع وحرص عليها والعاقل من ضرب بها عرض الحائط وأعرض عنها وويل لكل من ثار وتمرد أو اعترض فهذا ليس إلا مارق يستحق القتل والموت والسحل والسحق إنها حكوماتنا وسلطاتنا السابقة التي نصبت نفسها علينا وحكمت فظلمت وما عدلت وجارت وما ساوت وفرقت وما جمعت وأبعدت وما قربت فاستحقوا بأفعالهم من الشعب اللعنة ومن الأمة الغضب واستعجلوا بذلك الثورة ،
صحيح أن المزاج العام قد تغير في مصر خلال السنوات الخمس الماضية لكن ذلك لا يعنى أن صفحة الثورة طويت ومحي أثرها وإن تصور كثيرون ذلك أو تمنوه فالحدث الكبير كانت له تجلياته على أرض الواقع التي تعرضت للانتكاس والاندثار إلا أن له صداه الذي يتعذر محوه من بنية المجتمع ووجدان الناس ولا شك أن مسار الانتقال صار مركبا وهذا حال الثورات دوما وبالتالي يجب أن لا يختزل المسار في أنه مؤامرة من أطراف بالداخل والخارج فقط بل كل الأطراف أخطأت وللجميع مخاوف من الجميع والثورة مستهدفة بالفعل فلقد تخندق كل فصيل وراء رؤية تفسيرية خاصة به أدى إلى استقطاب حاد بين النخب والقوى السياسية انتقل مؤخرا إلى الشباب وأصبح هناك حالة من الحراب الأهلي على المستويين اللفظي والفعلي على الأرض ويتم هذا كله في بيئة إقليمية ودولية تتوسع فيها دائرة استهداف التغيير في مصر للحيلولة دون أن تقدم مصر نموذجا يحتذي به للتغيير بالمنطقة فلا شك أن هناك قوى إقليمية ودولية يهمها عدم رؤية تغيير سياسي ناجح وظهور حكومات وطنية في دولة محورية كمصر لما لهذا من آثار مهمة على موازين القوة في المنطقة لكن ثمة مصادر أخرى للخطورة أولها يأتي من عدم قدرة الكثيرين على رؤية الصورة بشكل كامل وقراءة الواقع بكافة أبعاده فكل فريق يتمحور حول رؤيته التفسيرية الخاصة لما يدور في مصر ويرغب في إخضاع الطرف الآخر له بشكل كامل دون المعرفة فليست كل أفعال وسياسات الرئيس خطأ لكنه جاد في تحقيق الأمن والاستقرار والنمو ومن الخطورة الانقلاب على شرعية رئيس منتخب بعد ثورتين وتصور أن الانتخابات المبكرة هي الحل وفي الجهة الأخرى انقضى العهد الذي يتم فيه تجريم أو تخوين كافة المعارضين أو تصور أنه يمكن قمعهم من جديد فهناك معارضة وطنية لسياسات الرئيس كانت من مؤيديه وسببا أساسيا في انتصاره وهناك مجموعات شبابية وصلت إلى حالة من اليأس بعد مرور أكثر من عامين وهي لا ترى ثمارا لها على أرض الواقع فكانت لهم مواقفهم المعارضة وتلك كلها مواقف لها تكلفتها الباهظة التي احتملها رجال ونساء وطنيون دفعوا ثمنها عن طيب خاطر دون معارضة منهم أو طلبات خاصة الأمر الذي يعنى أن جذوة الأمل لدي الكثيرين في مصر لم تنطفئ بعد وأن آفاق المستقبل الذي تتجمع فيه الغيوم لم تحكم إغلاق باب التفاؤل بغد يحل فيه الأمل حتى وإن طال انتظاره .