زخم كبير أحاط بإذاعة القرآن الكريم في مصر خلال الأيام الماضية، بعد أن استهدفها “كوميدي” مصري بالسخرية، لتتشكل حملة على وسائل التواصل الاجتماعي للدفاع عنها، تحت وسم “ادعم إذاعة القرآن الكريم”، وتعيد تسليط الضوء على تاريخها العريق.
ونشأت إذاعة القرآن الكريم في القاهرة كاول إذاعة دينية في العالم عام 1964 بقرار من الرئيس جمال عبد الناصر لإذاعة القرآن بصوت الشيخ محمود خليل الحصري عبر موجة قصيرة، ثم بعد ذلك توالت التطورات فيها ليذاع القرآن بعد ذلك بأصوات كبار ورواد المقرئين في العالم العربي والإسلامي أمثال عبد الباسط عبد الصمد ومصطفى إسماعيل وصديق المنشاوي ومحمد رفعت وغيرهم ممن أصبحوا علامات لهذه الإذاعة.
وتطور الأمر من مجرد بث القرآن إلى تقديم برامج دينية لشرح وتفسير القرآن ومناقشة أمور الدين الإسلامي، وشهدت الإذاعة طفرة كبيرة في بثها إبان حرب أكتوبر عام 1973، وزادت فترة بثها حتى وصلت إلى 24 ساعة يوميا.
وشهدت المنطقة العربية والعالم الإسلامي انطلاق إذاعات مماثلة لإذاعة القرآن المصرية، وحتى أن كل دولة عربية إسلامية تقريبا لديها إذاعة بنفس الاسم.
وعادت إذاعة القرآن الكريم في مصر لتتصدر المشهد خلال الأيام الأخيرة، بعد انتشار مقطع فيديو لمقدم المحتوى الكوميدي محمد أشرف، وهو يسخر من مقدمي برامج إذاعة القرآن الكريم، مما أثار حالة من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال رئيس إذاعة القرآن الكريم، حسن مدني، لموقع “سكاي نيوز عربية”: “لا تُلقى بالحجارة إلا الثمار الناضجة، لا أحد يلقي شجرة غير مثمرة بالحجارة، فرب ضارة نافعة”.
وأضاف: “فرحنا جدا بهذا الكم الكبير من المستمعين الكرام داخل وخارج مصر، ممن حملوا راية الدفاع والدعم لإذاعة القرآن الكريم، لأنها لا تقدم إلا الخير”.
تحسين وتطوير
واستطلع موقع “سكاي نيوز عربية”، آراء مجموعة من المواطنين بشأن إذاعة القرآن الكريم، لتأتي ردودهم داعمة للإذاعة العريقة، مع بعض المقترحات من وجهة نظرهم.
وقال حسن أبو بكر، القاطن بإحدى ضواحي الجيزة: “في حال كنت لدينا حالة وفاة فإننا نستمع لهذه الإذاعة، والمريض أيضا يستمع إليها ليطمئن لذكر الله. هي الصوت الموجود في البيوت دائما عندما نتركها بداعي السفر، حتى جيراننا المسيحيون يحبون أصوات المقرئين فيها. هي حالة مصرية خاصة وأكبر من مجرد إذاعة”.
لكن أبو بكر يعيب أنها مؤخرا بدأت في إذاعة إعلانات لجمعيات خيرية على سبيل المثال، ويراه لا يليق بهذه القيمة العريقة.
من جانبه، قال سالم علي، وهو موظف خمسيني يسكن في منطقة السبتية بوسط القاهرة: “نتعامل معها على أنها جزء من تاريخنا، ولا نحتاج إلى تغييرها بل الحفاظ على هذا الشكل الذي يحفظ هيبتها ويعيدنا لذكريات الماضي الجميل”.
وتابع: “الموضة حاليا هي استعادة العراقة والأصالة، فلماذا نحتاج لتغيير في إذاعة القرآن التي هي مثال لهذه العراقة والأصالة؟”.
من جهة أخرى، كان لدى رشا عبد الحليم، وهي خريجة كلية فنون جميلة، وتداوم على استماع هذه الإذاعة، رأي آخر، قائلة: “العالم يتطور، ونحتاج لهذه الإذاعة أن تواكب هذا التطوير”.
وقال رئيس قطاع الإذاعة المصرية، محمد نوار، لموقع “سكاي نيوز عربية”: “أنا راض عن التطوير الذي حصل في إذاعة القرآن الكريم خلال عام ونصف منذ أن توليت رئاسة القطاع، وكنت قبلها رئيسا لهذه الإذاعة”.
وأشار إلى أن: “كل من يستمع إلى إذاعة القرآن الكريم، يلاحظ الفارق الكبير الذي حدث منذ 1 أبريل 2019 حتى اليوم”.
وأوضح أنه تم تشكيل لجنة من كبار العلماء والمتخصصين، فحصت جميع البرامج المذاعة التي بلغ عددها 60 برنامجا، حيث وجدت تشابها وتكرارا في بعضها، ليتم تخفيض العدد إلى 40 برنامج حاليا.
واسترسل قائلا: “ألغينا البرامج غير المناسبة للأحداث أو لهذا الزمن. قمنا بضخ دماء شبابية جديدة بين المذيعين من الجهات الدينية المختلفة ليشاركوا كبار العلماء في تقديم البرامج والحوار، وكل هذا لم يحدث في تاريخ إذاعة القرآن الكريم على مدى 56 عاما منذ نشأتها”.
من جانبهما، قال رئيس إذاعة القرآن الكريم حسن مدني، ورئيس قطاع الإذاعة المصرية محمد نوار، لموقع “سكاي نيوز عربية: “مذيعونا لديهم خفة الظل، فهم ليسوا متجهمين ولا يرتدون (بدلة وطربوش) مثل ما يعتقد البعض. على العكس فهم أناس ظراف وودودين وتجمعهم روح العمل والفكاهة أيضا”.
وعن فكرة تقبل مسؤولي ومذيعي القرآن الكريم للنقد، قال مدني: “نحن لسنا فوق النقد، ونرحب بأي شخص ينتقدنا وينتقد أداءنا بأن يتفضل بالاتصال بنا أو يشرفنا في الإذاعة ويتناقش معنا، ويمكن أن نراجع أنفسنا لو كان نقده على صواب”.
وأضاف في الوقت نفسه: “لكن السخرية منهي عنها في القرآن، ولا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم”.
أما نوار فقال: “لا توجد إذاعة في العالم كله حاليا تنافس إذاعة القرآن الكريم في حجم الاستماع، المادة الموجودة هنا غير موجودة بالعالم كله، سواء التسجيلات الصوتية والتراثية النادرة لكبار قراء القرآن الكريم، أو غيره من القامات التي تقدم وقدمت فيها برامج على مدار تاريخها”.
وفي حين ارتبطت إذاعة القرآن الكريم بالطقوس اليومية في حياة المصريين، حتى أن صوت الشيخ محمد رفعت وهو يقرأ القرآن الكريم أصبح مستخدمو مواقع التواصل يتداولونه لاسترجاع أيام ذهابهم للمدرسة في الصباح الباكر، بينما كان هذا الصوت يفتتح الفترة الصباحية، فإن هناك من يرون مغالاة في أداء مقدمي البرامج وضيوفها، ويطالبون بالبساطة تماشيا مع مفردات الشباب الحالية.
وردّ مدني على هذا الرأي بالقول: “هذه سمة إذاعة القرآن الكريم. أداء خاص، ليس تقعرا ولكنه راق وفيه روحانية. كيف أنطق إذاعة القرآن من القاهرة، بغير الطريقة التي تنطق بها الآن؟”.
وأوضح: “هذا أداء فيه وقار يتفق مع سمة المحطة، ونحن نسير في طريقنا بخدمة المجتمع المصري والعربي والإسلامي عبر نشر القرآن الكريم والسنة وشرحهما وكل ما يخدم المجتمع. دورنا يختلف عن دور إذاعة الأغاني أو الشباب والرياضة أو البرنامج العام” .
وفيما يتعلق بحضور الإذاعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتفاعلها مع الجمهور، قال نوار: “لا أريد أن أكون متواجدا على السوشيال ميديا.. فوفقا للباحثين في أميركا، فإنه بحلول عام 2030 لن تتواجد إلا الإذاعات والسوشيال ميديا، والناس حاليا يقضون أكثر من نصف يومهم في الشارع سواء بالسيارة أو المواصلات، وبالتالي فإن المجال والمساحة مفتوحة بشكل أكبر للإذاعات، وأكبر مساحة هي لإذاعة القرآن الكريم، لذا لماذا سأحتاج السوشيال ميديا؟”.
مواكبة لمتطلبات العصر
تجدر الإشارة إلى أن إذاعة القرآن الكريم لها حسابات رسمية على موقعي تويتر وفيسبوك، وقد شهدا تفاعلا كبيرا خلال الأيام الماضية، وتم توجيه الشكر للمغردين الداعمين للمحطة تحت وسم (#ادعم_إذاعة_القرآن_الكريم).
وتكتفي هذه الحسابات بنشر تنويهات لبرامج المحطة وفترات المصحف المرتل بصوت المقرئين، ولا يتم تقديم فيديوهات أو منتجات رقمية أخرى عبرها.
ولكن نوار قال: “نحن حاليا نعمل على تحديث تطبيق لإذاعة القرآن الكريم على الموبايل ليستطيع أي شخص في أي بقعة من العالم الاستماع إليها عبر هذا التطبيق، لأنك لن تستطيع التفاعل مع الدين بالكتابة فقط، ولكن لابد من الاستماع للشرح الصحيح من العلماء”.
واستطرد موضحا: “فنشر موضوع على السوشيال ميديا غير مؤثر بنفس درجة تأثير سماعه مثلا من فضيلة الشيخ الشعراوي، أو الشيخ محمد سيد طنطاوي”.
ومنذ سنوات يطالب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتجديد الخطاب الديني لمواجهة الإرهاب والفكر المتطرف، مما جعل البعض يعقد آمالا على إذاعة القرآن للقيام بدور كبير في هذا الملف.
إلا أن نوار يرى أن “تجديد الخطاب الديني ليس دور إذاعة القرآن الكريم فقط، ففي أي دولة في العالم يكون تجديد الخطاب الديني من خلال منظومة متكاملة من وزارات التربية والتعليم والتعليم العالي والشباب والرياضة”.
وأضاف: “هذا الدور يتمثل في التطوير الذي نقوم به ولا يتوقف، فنحن مثلا جعلنا البرامج التي يقدمها وزير الأوقاف دقيقة ونصف إلى دقيقتين فقط، وهذا يتوافق مع متطلبات العصر، وتوجهنا لهذه النوعية القصيرة التي تجذب ملايين المستمعين وهي برامج صعبة للغاية، وتناقش أمورا دنيوية”.
ولفت إلى أن “هذه الأطروحات اختلفت عن السابق، والوعي الذي يطالب به الرئيس يتم تقديم برامج تناقشه، إذ تتناول قضايا عن كورونا والإرهاب، وكل هذا لم يكن موجودا من قبل”.
ورغم أن العديد من الدول تموّل محطات التلفزيون والراديو لأهداف أهم من الربح، فإن البحوث الإعلامية الحديثة تؤكد عدم جدوى أية وسيلة لا تحقق نسب جذب عالية للجمهور، وأن ذلك لا يتوازى مع ما يتم إنفاقه عليها.
وقال رئيس قطاع الإذاعة المصرية: “إحصائيات سابقة من 10 سنوات قالت إن عدد مستمعي إذاعة القرآن الكريم أكثر من 10 ملايين. وأنا أعتقد أن العدد تضاعف عدة مرات. تجاريا هذه الإذاعة رابحة جدا، وإن كان رأيي الشخصي أنني لا أؤيد وجود إعلانات في محطة كهذه ولكن الواقع يفرض ذلك، ورغم القيود التي نضعها ولا نقبل بالعديد من الإعلانات التي تعرض علينا، فإذاعة القرآن الكريم تحقق ملايين الجنيهات من الإعلانات سنويا”.
كما نوه إلى أن “جهات داخل مصر وخارجها ودول عربية شقيقة عرضت المساهمة في دعم إذاعة القرآن وتطويرها فنيا بمعدات”، لافتا إلى أنه “يتم بحث الأمر”.