تكلمنا في المقال السابق عن علامات الساعة الصغرى، وذكرنا الكثير منها، وذكرنا ما بعض ما ورد من الآثار بشأنها، وذكرنا أن العلامات الكبرى هي : خروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم، وخروج المهدي، وخروج الدابة، وخروج يأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، وذكرنا حديث تميم الدار الذي سر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والذي فيه من خبر الدجال وأسئلته التي سأل عنها.
وأسئلة الدجال التي كانت الإجابة عنها لا، في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، اختلفت تلك الإجابة في هذا الزمان، فبشأن تمر بيسان ففي سنة 1965م انقطع نسل تمر بيسان بالكلية، وبيسان قرية في فلسطين، فلم يعد يثمر نخلها، وفي سنة 1979م انخفضت بحيرة طبرية انخفاضًا هائلاً، مما دعى الكيان الصهيوني المغتصب لاحتلال الجنوب اللبناني حتى يستفيد من مياه نهر الليطاني، لصب تلك المياه في طبرية لحل أزمة الماء التي أصابتهم بانخفاض ماء بحيرة طبرية.
وأما عين زغر، وهو البحر الميت فقد شاهدت بنفسي انخفاض منسوب مائه عن أصله نحو خمسمائة مترًا، وبدأت العلامات في الظهور، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه من علامات الساعة، قال صلى الله عليه وآله وسلم : (بعثت أنا والساعة كهاتين) [رواه البخاري ومسلم]، وكانت من العلامات التي حدثت في عهده صلى الله عليه انشقاق القمر، قال تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ القَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ* وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ) [ القمر :1 : 3].
روى عن أنس بن مالك رضي الله عنه : (أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم شق القمر شقين حتى رأوا حراء بينهما) [رواه البخاري ومسلم].
يقول ابن حجر : (فكان هذا الانشقاق -كما قال الخطابي- آية عظيمة لا يكاد يعدلها شيء من آيات الأنبياء، وذلك أنه ظهر في ملكوت السماء خارجاً من جملة طباع ما في هذا العالم المركب من الطبائع، فليس مما يطمع في الوصول إليه بحيلة فلذلك صار البرهان به أظهر) [فتح الباري]
وسوف نتكلم بشيء من التفصيل عن أهم العلامات الكبرى فيما يلي :
أولا : خروج الدجال :
والدجال لغة على وزن فعال من الدجل وهو التغطية، وأصل الدجل معناه : الخلط، يقال : دجل إذا لبس وموه، وجمع دجال : دجالون، ودجاجلة. وسمي الدجال دجالا ؛ لأنه يغطي الحق بباطله.
والدجال الذي نقصده هو الدجال الأكبر الذي يخرج قبيل قيام الساعة في زمن المهدي وعيسى عليه السلام.
فخروجه من أعظم علامات الساعة؛ لأنه فتنة عظيمة، ويسمى مسيحا؛ لأن إحدى عينيه ممسوحة أو لأنه يمسح الأرض في أربعين يوما، ولفظة المسيح تطلق على الصديق، وهو عيسى عليه السلام، وعلى الضليل الكذاب وهو الأعور الدجال.
وذكر الحافظ أبو الخطاب بن دحية كثرة معاني لفظة المسيح، حيث ذكر أنه اختلف في معنى المسيح على ثلاثة وعشرين قولاً، وقال : (لم أر من جمعها قبلي ممن رحل وجال ولقي الرجال) [مجمع البحرين].
والمقصود بالمسيح هنا المسيح الضال الذي يكون فتنة للناس، بما يجريه الله على يديه من خوارق للعادة، كإنزال المطر وإحياء الأرض، وأما مسيح الهدى فهو عيسى ابن مريم عليه السلام الذي سيأتي الكلام عليه.
والأحاديث التي تذكر الدجال بلغت حد التواتر، إلا أنه لم يذكر في القرآن، وقد أجاب ابن حجر على ذلك بأجوبة، فقال : (فقد أجاب على ذلك الحافظ ابن حجر – رحمه الله – بقوله : اشتهر السؤال عن الحكمة في عدم التصريح بذكر الدجال في القرآن مع ما ذكر عنه من الشر، وعظم الفتنة به، وتحذير الأنبياء منه، والأمر بالاستعاذة منه حتى في الصلاة، وأجيب بأجوبة :
أحدها : أنه ذكر في قوله تعالى :” يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا”، فقد أخرج الترمذي وصححه عن أبي هريرة رفعه : ثلاثة إذا خرجن لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل : الدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها.
الثاني : قد وقعت الإشارة في القرآن إلى نزول عيسى ابن مريم في قوله تعالى :” وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ”، وفي قوله تعالى :” وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ”، وصح أنه الذي يقتل الدجال فاكتفي بذكر أحد الضدين عن الآخر، ولكونه يلقب المسيح كعيسى، لكن الدجال مسيح الضلالة وعيسى مسيح الهدى.
الثالث : أنه ترك ذكره احتقارا، وتعقب بذكر يأجوج ومأجوج وليست الفتنة بهم بدون الفتنة بالدجال والذي قبله، وتعقب بأن السؤال باق وهو ما الحكمة في ترك التنصيص عليه ؟ وأجاب شيخنا الإمام البلقيني بأنه اعتبر كل من ذكر في القرآن من المفسدين فوجد كل من ذكر إنما هم ممن مضى وانقضى أمره، وأما من لم يجئ بعد فلم يذكر منهم أحدا) [فتح الباري]
وتلك الأحاديث المتواترة التي ذكرت الدجال تحدثت عن خروجه في آخر الزمان والتحذير منه، ووصفه وصفا دقيقًا.
وقد روت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، قصة تميم الداري ورؤيته للدجال، وقد ذكرت الحديث بتمامه في المقال الأول عن علامات الساعة، والذي تكلمت فيه عن العلامات الصغرى، وجاء في الحديث أن الدجال قال عن نفسه : (إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة، فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحدا منهما استقبلني ملك بيده سيف صلتا يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها). قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن بمخصرته في المنبر : (هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة ) يعني المدينة (ألا هل كنت حدثتكم ذلك ” ؟ فقال الناس : نعم. قال : ” فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن لا بل من قبل الشرق ما هو من قبل الشرق، ما هو من قبل الشرق، ما هو ” وأوما بيده إلى المشرق، قالت : فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم) [رواه مسلم].
ومن تلك الأحاديث ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال : (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حديثا طويلا عن الدجال فكان فيما يحدثنا به أنه قال : ” يأتي الدجال، وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة، فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس – أو من خير الناس – فيقول له : أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، فيقول الدجال : أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته، أتشكون في الأمر ؟ فيقولون : لا، فيقتله ثم يحييه، فيقول : والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم الآن، قال : فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه) [أخرجه البخاري ومسلم].
وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوما بين ظهراني الناس الدجال فقال : ” إن الله تعالى ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية) [أخرجه البخاري ومسلم.
وعنه أيضا –رضي الله عنه- قال : (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال فقال: ” إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذر قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه، إنه أعور، وان الله ليس بأعور) [رواه البخاري ومسلم].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ألا أخبركم عن الدجال حديثا ما حدثه نبي قومه ؟ إنه أعور، وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار، وإني أنذرتكم به كما أنذر به نوح قومه) [رواه مسلم].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بعث نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، ومكتوب بين عينيه ك. ف. ر). [رواه البخاري ومسلم]
وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال : (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع، حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه، عرف ذلك فينا، فقال : ” ما شأنكم ؟ ” قلنا : يا رسول الله، ذكرت الدجال الغداة، فخفضت فيه ورفعت، حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال : ” غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، إنه شاب قطط، عينه طافئة، كأني أشبهه بـ ( عبد العزى بن قطن ) فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنه خارج خلة بين الشام والعراق، فعاث يمينا، وعاث شمالا، يا عباد الله فاثبتوا. قلنا : يا رسول الله، وما لبثه في الأرض ؟ قال : أربعون يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، قلنا : يا رسول الله فذاك اليوم الذي كسنة : أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا، اقدروا له قدره، قلنا : يا رسول الله، وما إسراعه في الأرض؟ قال : كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به، ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كان ذرا وأسبغه ضروعا، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم، فيردون عليه قوله. قال : فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أحوالهم، ويمر بالخربة، فيقول لها : أخرجي كنوزك، فيتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين، رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل، ويتهلل وجهه يضحك….) [رواه مسلم]
فالدجال شخص يخرج ليفتن الناس، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ في صلاته وغيرها من فتنة الدجال وشره وأمر أمته بذلك.
فعن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن : ” اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات.
وقد أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين إلى ما يعصمهم من فتنة المسيح الدجال كما جاء في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال. قال مسلم : قال شعبة : من آخر الكهف، وقال همام : من أول الكهف.
ومن صفاته كما مر في الأحاديث دخوله كل البلاد، يقول ابن حجر العسقلاني –رحمه الله- : (قوله صلى الله عليه وسلم : (ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال) هو على ظاهره وعمومه عند الجمهور، وشذ ابن حزم فقال : المراد : إلا يدخله بعثه وجنوده ، وكأنه استبعد إمكان دخول الدجال جميع البلاد لقصر مدته، وغفل عما ثبت في صحيح مسلم أن بعض أيامه يكون قدر سنة) [فتح الباري].
وقد وردت آثار في شخص يسمى ابن صياد، كان غلاما في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف العلماء فيه هل هو الدجال الذي يفتن الناس قبل قيام الساعة، ويقتله عيسى عليه السلام أو لا ؟ إجابة هذا السؤال في المقال المقبل (يتبع).